مقالات طبية

القسطرة: أنبوب صغير ومشكلة كبيرة

القسطرة أداة شائعة بين المرضى، لكنها لا تنال اهتماما كبيرا كما ينبغي.
لكن ماندي فادر، أستاذة تكنولوجيا المسالك بجامعة ساوثهامبتون، تقول إن هناك حاجة لإعادة التفكير في كيفية استخدامها.
تخيل أنك ذاهب للمستشفى غدا، فربما تتوقع أن تمر ببعض التجارب غير المرغوبة مثل التحاليل والفحوصات، لكن هل يدور بخاطرك أنك ربما يثبت لك أنبوب في مثانتك؟
ربما لا، لكن واحدا من بين خمسة مرضى بريطانيين يمكثون في المستشفى يضطرون لذلك.
من الواضح أنه ليس مستحبا أن تثبت قسطرة بولية داخل مجرى البول، وهو الممر الذي يؤدي للمثانة، بما يؤدي إلى تصريف البول إلى كيس خارجي. لكن هل سيكون هذا مفيدا لك على وجه اليقين؟ ربما نعم أو لا.
وتستخدم القسطرة البولية للعديد من الأسباب المهمة، منها مراقبة كمية البول المنصرف، أو للتأكد من أن المثانة لم تمتلئ عن آخرها عندما يخضع المريض لعملية جراحية على سبيل المثال. لكن هناك أدلة متزايدة على الإفراط في استخدامها، وأن الكثيرين بإمكانهم تجنبها.
التهابات المجاري البولية من بين أكثر أنواع العدوى شيوعا في المستشفيات، وتعد القسطرة أكثر الأسباب شيوعا لها.
والجراثيم يمكنها بسهولة دخول المثانة عندما يتم إدخال أنبوب القسطرة، أو عبر مادة “بيوفيلم” التي يغطى بها الأنبوب، وهي مادة رقيقة ولزجة مليئة بالبكتيريا.
وتعد المثانة، وهي دافئة ورطبة، بيئة مناسبة تماما لتكاثر البكتيريا.
ولكن هذا ليس بجديد. فالمستشفيات تعي تماما مشكلات العدوى الناتجة عن استخدام أنابيب القسطرة، ولأنه كلما طالت مدة تثبيت هذه الأنابيب زاد احتمال حصول الالتهابات، فإن هناك الكثير من الخطط المصممة لإزالة القسطرة مبكرا.
لكن هل هذا يكفي؟ هل سيكون تجنب القسطرة أفضل على وجه اليقين؟
والأسباب التي تجعل المريض بحاجة إلى قسطرة ليست واضحة تماما، والأطباء الممارسون يخطئون في تقدير خطورة انصراف كميات قليلة للغاية من البول، أو خطورة انتفاخ المثانة.
وما يثير الضيق هو أن بعض الحلول لمواجهة الإفراط في استخدام القسطرة متاحة بالفعل، ومنها استخدام الأشعة فوق الصوتية لفحص المثانة، والتي تقيس كمية البول الموجودة بها.
لكن هذا الفحص مكلف ومعظم المستشفيات لا يمكنها توفيره. وميزانية الأجهزة الطبية التي توفرها هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا محدودة، وتستخدم العديد من الموارد الأخرى لتحمل تكلفة القسطرة.
وماذا عن القسطرة ذاتها؟ بالتأكيد فإن مثل هذا الجهاز الشائع، مع ما يعرف به من إمكانية كبيرة لحدوث العدوى، يجب أن يصنع على أحدث مستوى، باستخدام المواد الحديث المصممة بهدف تقليل مخاطر العدوى.
وعلى صعيد آخر، فإن أجهزة القسطرة لم تشهد تغيرا يذكر خلال الثمانين عاما الماضية.
ولقد جرت محاولات لتصنيع أجهزة القسطرة من مواد تتميز بخصائص مقاومة للبكتيريا، لكن الاستثمار في هذا المجال قليل للغاية، كما أن التدابير المنظمة لصناعة القسطرة ضعيفة.
وعلى عكس ما يحدث مع الأدوية الجديدة، لا يحتاج منتجو القسطرة إلى إظهار أي تغييرات فعلية على منتجاتهم.
وعبر السنوات الماضية، أنتج مصنعون أجهزة قسطرة ادعوا أنها تقلل مخاطر العدوى، لكن تكلفتها أعلى بكثير من أجهزة القسطرة العادية.
وأحد الأمثلة الجيدة على ذلك أنابيب القسطرة المصنوعة من سبائك الفضة.
وأنفقت هيئة الخدمات الصحية الوطنية ملايين الجنيهات على هذه الأجهزة، قبل أن تمول الحكومة بحثا أثبت أنها ليست أفضل من أجهزة القسطرة العادية.
والمشكلة أسوأ بالنسبة للمرضى الذين يحتاجون إلى استخدام القسطرة البولية بشكل دائم.
قلة تصريف المثانة للبول أو السلس البولي تعني أن بعض المرضى، مثل أولئك الذين لديهم إصابة في العمود الفقري، عليهم أن يستخدموا القسطرة لسنوات.
ويؤدي انسداد أنبوب القسطرة والالتهابات غالبا إلى زيارة المستشفى بشكل متكرر، وتغيير أنبوب القسطرة وما يصاحب ذلك من معاناة.
ما تحتاجه صناعة أجهزة القسطرة هو المزيد من الاستثمار، في ابتكار تصميمات جديدة ومواد مقاومة للعدوى.
ومنذ زمن طويل ظلت أنابيب القسطرة “رخيصة الثمن” وعليها طلب كبير، بدون الاهتمام بمزيد من الابتكار والتطوير.
والمرضى يستحقون أجهزة قسطرة أفضل، لكن من سيحشد الاهتمام بهم؟ لا أحد في مجال الرعاية الصحية يبدو أنه “يمتلك” قسطرة، فأجهزة القسطرة تمر عبر أيدي الجراحين والأطباء وأطباء التخدير، والممرضات على وجه الخصوص، لكنها تلعب عادة دورا ثانويا، وآن لها أن تصبح في مركز الصدارة.
ونحن بحاجة لتقليل استخدام القسطرة، لكن ما نستخدمه بالفعل من تلك الأجهزة يجب أن يكون أفضل.
وحلمنا أن تصبح أجهزة القسطرة يوما ما منتجات متقدمة، تصنع وفق تكنولوجيا متخصصة، ومصممة بهدف تقليل مخاطر العدوى، وتستخدم في حالات استثنائية، حينما يكون المرضى في حاجة حقيقية لها.

تعليقاتكم