أعمدة المهنة

د. سامي خوري طبيب الملوك

لم تكن اطلالة الملك الحسين رحمه الله على الاردنيين يوم 30 -1 -1962 من على شرفة مبنى في الشميساني اطلالة عادية , فقد حمل الحسين رحمه الله وريثه وابنه البكر يومها واعلن بصوته الذي يتقن الاردنيون سماعه ميلاد امير نذره الحسين رحمه الله لخدمة شعبه وامته فكان كما اراد الحسين وكان يومها الابن عبد الله .

الشرفة كانت لمشفى فلسطين الذي اختار ابن نابلس سامي خوري اسم وطنه الام ليكون عنوان الشفاء لاول مشفى خاص في المملكة ولأن موقع صحة نيوز اثر على نفسه اعادة الذكرى والعطر بأعمدة المهنة اختار ان يكون سامي سليم خوري اول عطر ينثره على رذاذ الفضاء الالكتروني في زاوية اعمدة المهنة ليس لانه يستحق فقط بل لانه ايقونة اردنية فلسطينية تستحق ان تعرفها الاجيال ونستأذن صديقنا هشام عودة في نشر ما كتبه عن الرجل الذي رحل تاركا اسم فلسطين منقوشا على ذاكرة المهنة ونترككم مع نص المبدع هشام عودة .

طبيب الملوك والامراء الغلابى ايضا

نابلسي توزع قلبه بالتساوي بين عمان والقدس ، وظلت فلسطين حاضرة في يومياته التي كرسها اسم مستشفاه الذي افتتحه الراحل الحسين في عمان.

سامي سليم خوري المولود في نابلس عام 1922 ، مع بداية الانتداب البريطاني على فلسطين ، هو اصغر اشقائه سنا ، غادر مسقط رأسه مع عائلته الى القدس مطلع الثلاثينيات لينهي دراسته الثانوية في مدرسة سان جورج ، قبل ان يلتحق عام 1940 بالجامعة الاميركية في بيروت لدراسة الطب ، وكانت الحرب العالمية الثانية قد تركت اثرها على المنطقة والعالم.

تخرج الدكتور خوري في العام 1946 ، ليعمل مباشرة في مستشفى القدس الحكومي وبعدها في مستشفى حيفا قبل ان ينتقل للعمل في المستشفى الوطني بنابلس ، وبحكم مهنته وتنوع مواقع عمله كان شاهدا على حجم الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق المواطنين العرب الفلسطينين ، كما تعرف في ذلك الوقت على قادة فصائل الجهاد وفي مقدمتهم قائد جيش الانقاذ فوزي القاوقجي ، واسهم بعلاج عدد من الثوار الجرحى.

مثلما شهدت مدينة نابلس انطلاق صرخته الاولى ، فقد شهدت بعد سبعة وعشرين عاما من ذلك التاريخ ، أي في العام 1949 ، اقترانه بشريكة حياته كريتا جميل طقطق ابنة الطبيب الذي كان يدير المستشفى الانجيلي في المدينة في ذلك الوقت ، لينجبا نصري وداليا ورشا ، وابنة ثالثة توفيت هي”سانيا” التي اطلق والدها اسمها على صندوق خيري لمعالجة المرضى المحتاجين.

في صيف عام 1950 غادر الى ادنبره للتخصص في الجراحة ، وفي عام 1957 سافر للولايات المتحدة للتخصص في جراحة القلب والرئتين ، ليصبح احد الجراحين المعروفين في تلك المرحلة.

ربما كانت اهم المحطات المهنية في حياة الدكتور سامي خوري هي عمله طبيبا جراحا في مستشفى اوغستا فكتوريا في القدس ، الذي يعرفه الفلسطينيون باسم “المطلع” حيث اثبت قدرته المهنية وكفاءته الطبية رغم قلة توفر الامكانات في ذلك الوقت ، خاصة ان المستشفى كان متخصصا بعلاج اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة.

ذات يوم من عام 1954 ، واثناء عمله في مستشفى”المطلع” تعرف الدكتور خوري على الملك الراحل الحسين اثناء زيارة تفقدية قام بها جلالته للمستشفى ، ومثلت تلك اللحظة نقطة تحول كبرى في حياة الطبيب المندفع باتجاه مهنته ، فقد استدعاه ذات يوم من عام 1957 الدكتور شوكت الساطي ، الطبيب الخاص للملك الحسين ، لاجراء عملية جراحية للملك ، تمت في المستشفى الرئيسي بماركا ، حيث قال الملك وقتها ان عمان بحاجة لمستشفى خاص ، وجلالته الذي امر بإنشاء مستشفى فلسطين كما يقول الدكتور سامي خوري الذي حصل على قرض من مجلس الاعمار لبناء المستشفى ، ليقوم الملك الحسين بعد ثلاث سنوات من تلك اللحظة ، اي في حزيران 1960 بافتتاح المستشفى في اطراف الشميساني ، المنطقة التي لم تكن مأهولة بالسكان بعد.
 

ما يفخر به الدكتور خوري ان علاقته بالملك الحسين التي بدأت في “مطلع” القدس عام 1954 استمرت حتى رحيل الملك ، ولم تنقطع مع افراد العائلة ، حيث ولد في مستشفى فلسطين عدد من الامراء والاميرات ، وفي المقدمة منهم الملك عبد الله الثاني.
 

الدكتور الذي لم يعد يلبس مريوله الابيض الا نادرا بسبب تقاعده عن ممارسة المهنة ، يتعامل مع مستشفى فلسطين على انه واحد من افراد عائلته ، فقد رعاه وأشرف عليه منذ بدأ باستقبال مرضاه ، وهو مطمئن الى ادارة المستشفى الجديدة التي يتولاها ابنه الدكتور نصري الاخصائي في جراحة الدماغ والاعصاب ، خاصة وهو يرى المستشفى يتطور في البناء والمعدات.
 

في سنوات سابقة استقبل المستشفى جرحى فلسطينيين لعلاجهم على نفقته ، وما زال الدكتور خوري يتذكر زيارة الرئيس الراحل ياسر عرفات لتفقد الجرحى في مستشفاه ، كما يتذكر كيف تمت معالجة فريق الفيلم السينمائي لورنس العرب عام ,1961
 

اوائل كثيرة تتراكم في الحياة المهنية للطبيب الجراح الدكتور سامي خوري ، قبل وبعد إنشائه لمستشفى فلسطين:

ـ فهو اول جراح اردني يحصل على زمالة الكلية الملكية البريطانية عام ,1950
 

ـ وهو اول جراح اردني تتناقل اسمه وإنجازه الطبي وسائل الاعلام ، حين قام بإجراء اول عملية قلب مغلق في مستشفى المطلع عام ,1957
 

ـ وهو اول من قام بتأسيس بنك الدم في الاردن.
 

ـ وهو من قام بتأسيس اول مدرسة للتمريض ، مقرها في مستشفى اوغستا فكتوريا بالقدس .
 

ـ وأول من اسس جمعية العناية بالاطفال.
 

ـ وهو مؤسس جمعية المستشفيات الخاصة لتنظيم المهنة في الاردن ، وأول رئيس لها.
 

ـ وقام مع زميليه الدكتور زيد حمزة والدكتور كارلوس دعمس بتأسيس جمعية الجراحين الاردنية.
 

وهو كذلك عضو مؤسس في نقابة الاطباء ، ويحمل ثلاثة اوسمة تقديرا لجهده ومسيرته هي الكوكب من الدرجتين الاولى والثالثة ، والنهضة من الدرجة الثانية.
 

والدكتور سامي خوري الذي لم يقطع علاقته مع القدس ، رغم اقامته الطويلة في عمان ، هو ناظر في كاتدرائية القديس جورج في القدس ، ورغم انه ظل بعيدا عن ساحة العمل السياسي المباشر والانتماء الحزبي ، الا ان ابا نصري يصنف نفسه قوميا يعتز بعروبته ، ويرى ان حل مشاكل العرب يكمن في وحدتهم.
 

 

تعليقاتكم