نافذة طبية

مكافحة التدخين تمتد إلى فضاء مواقع التواصل الاجتماعي

كان في الخامسة من عمره عندما ألح يزن على والده الثلاثيني أن يقلع عن التدخين بعد أن قدم “سكتشا” في حفل تخرجه بالروضة إلى جانب أقرانه الصغار حول مخاطر التدخين؛ فوعده أن يقلع عن هذه العادة، وفي كل مرة تصدف ويراه يشعل سيجارة برفقة أحد الضيوف يعاتبه يزن بقوله “خالفت وعدك” ليخجل ويطفئها على الفور.
النداء الأخير الذي لامس الأب وجعله يقلع عن التدخين عندما شاهد يزن مع والدته تجربة عبر موقع “يوتيوب” حول تأثير السجائر على الرئتين والحنجرة وإصابتها بالسرطان.
الصغير يزن سارع نحو الهاتف وطلب والده في عمله وقال له باكيا “بابا لا أريد أن يصيبك السرطان وتصبح رئتك سوداء..لا أريدك أن تموت”.
كارثة التدخين
من خلال ما تنطق به الأرقام والإحصائيات تبرز “كارثة التدخين في الأردن”، حيث تصدرت المملكة دول الشرق الأوسط في معدل انتشاره بين الذكور التي وصلت إلى 43.9 %، بينما احتلت المركز الثالث في انتشاره بين الإناث بنسبة %8.5، وفق اختصاصي استشاري اول أمراض الدم والسرطان الدكتور عبدالله العويدي العبّادي، خلال محاضرة حول “مضار التدخين”، نظمها الاتحاد الدولي لجمعيات طلبة الطب في الأردن مؤخرا.
كما بين تقرير جديد لمركز الحسين للسرطان “اتساع” هذه الظاهرة في المجتمع الأردني الذي يوصف بـ”الفتي”، بخاصة أن 75 % من المواطنين هم دون سن 30 عاما.
وأمام هذا الواقع، يجهد ناشطون، لا سيما مركز الحسين للسرطان، وجمعيات ومتطوعون وطلبة، عبر صفحات موقعي التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، وموقع “يوتيوب” لنشر الوعي بمخاطر التدخين، مستغلين ازدياد مستخدمي الإنترنت الذين تشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات تضاعف عددهم 6 مرات خلال السنوات السبع الأخيرة.
والأرقام المنشورة على موقع الهيئة توضح أن قاعدة مستخدمي الانترنت سجلت قرابة 5.3 مليون مستخدم نهاية العام 2013، وبنسبة انتشار بلغت 73 % من عدد سكان المملكة التي يقدر عدد مستخدمي “الفيسبوك” فيها بنحو 3 ملايين، كما يقدر عدد مستخدمي “تويتر” في المملكة بنحو 100 ألف حتى العام 2012.
“أرجيلة بـ5 دنانير مع وجبة طعام!”
في المقابل، وجدت جهات أخرى في هذه المواقع “منبرا” للترويج للسجائر والأرجيلة، حيث تعرض مجموعات شبابية من خلال النكات والصور لـ”فوائد التدخين”، وفق زعمها.
إلى جانب أن عددا من مشتركي “فيسبوك” و”تويتر” يتحدثون بـ”شوق” عن السيجارة التي ترافقهم دوما، وبعضهم يصور نفسه وهو يدخن الأرجيلة، وآخرون يتباهون بولاعة فاخرة أو المعسل الذي يستعملونه!
وامتد هذا الأسلوب إلى “كوفي شوبات”، تروج للتدخين حيث تستقطب رواد موقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة الشباب، بعمل خصومات لمن يرتاد المقهى، حيث نشر بعضهم إعلانا “أرجيلة بـ5 دنانير مع وجبة طعام”!!، وآخر “بيع المعسل بسعر الجملة”!!.
ويبدو أن تلك المقاهي وجدت بذلك ضالتها للالتفاف على الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ الصادرة عن منظمة الصحة العالمية التي صادق عليها الأردن في العام 2004، وتمنع الترويج للتبغ بإعلانات مدفوعة الأجر في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
وأمام هذا “الفلتان التواصلي” تغيب القوانين التي تحمي القصر والشباب من الوقوع في فخ التدخين، بهذه الإغراءات غير الخاضعة للرقابة؛ إذ يؤكد مدير مديرية التوعية والإعلام الصحي في وزارة الصحة الدكتور مالك حباشنة أنه “رغم أن الوزارة مسيطرة تماما” على موضوع الترويج للتبغ والأرجيلة في الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، استناداً إلى الاتفاقية التي وقع الأردن عليها في 2004، إلا أن الوزارة “عاجزة” عن السيطرة على ذلك عبر الإنترنت، وفق حباشنة الذي يقول إنه “لا يوجد تشريع لإيقاف موقع تواصل اجتماعي بسبب إعلان صاحبه عن التدخين أو لنشر صور تشجع عليه “في وقت لم يتم التوصل إلى آلية لمحاسبة القائمين على “العالم الافتراضي” “.
لا للتدخين
ورغبة في الوصول إلى الشرائح الشبابية برسائل توعوية تتناسب معهم أصدرت جمعية “لا للتدخين” أغنية بثتها عبر “يوتيوب” وعلى “فيسبوك” وتويتر” تقول كلماتها: “الدخان في كل مكان متل خيالي.. ما بتركني في كل محل بضل خانقني.. ومهما حاولت أتفادى كل الريحة وسمها بضل يلحقني بالمطاعم والمولات.. حتى المستشفى.. تخيل مستشفى!!..في ناس قاعدة عم تدخن حولين المرضى يعني فوق مرضهم .. قاعد المدخن خانقهم.. بالسلامة وبالسلامة بيقلهم دخن برا اطلع برا.. في قانون 47 بيمنع جوا التدخين ما تفكر بس بحالك.. في عالم هون غيرك بدو يتنفس ما بدو تصلب شرايين.. لا للتدخين لا للتدخين..”.
الجمعية التي يزيد عدد المشتركين في الصفحة التابعة لها على 20 ألفا، لها موقع تبث عبره رسائل توعية حول مخاطر التدخين، فضلا عن أبرز نشاطاتها لتوعية المجتمع المحلي بمخاطر التبغ.
وبهدف رفع مستوى الوعي عند الأطفال حول مضار التدخين وتأثيره المباشر وغير المباشر على الأعضاء المختلفة داخل جسم الإنسان قامت الجمعية مؤخرا بإصدار فيلم كرتوني توعوي من إنتاج شركة “سكتش ان موشن”.
ويعد الفيلم جزءا من المنهاج التعليمي التي تقوم الجمعية بتطويره لأطفال المرحلة الابتدائية، حيث سبق وقامت بنشر كتاب “عالمي أجمل بلا دخان” الذي وزع جزء كبير منه مجانا على المدارس الحكومية في مختلف أنحاء المملكة.
وعن أهداف “لا للتدخين” التي تأسست في 2011 فتجملها الدكتورة لاريسا الور، الناطق الإعلامي للجمعية وعضو مؤسس فيها، بـ”توحيد الجهود لنشر الوعي حول مضار وباء التبغ، وإيمانا منا بضرورة تأمين مستقبل أفضل لأطفالنا بشكل خاص وحقنا في تنفس هواء نقي”، فضلا عن “التعاون مع الجهات الحكومية لتطبيق وتعديل التشريعات المتعلقة بمنع التدخين في الأماكن العامة المغلقة”.
وتنوه لاريسا في حديثها لـ”الغد” إلى أن الجمعية تستهدف الفئات العمرية الصغيرة انطلاقا من مبدأ “درهم وقاية خير من قنطار علاج”، ولأنهم يعتبرون “الهدف الأسهل لشركات التبغ”.
معلومات تثقيفية عبر مواقع التواصل
ومن الصفحات التي تلقى إقبالا من قبل مشتركي موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، صفحتا الأميرة غيداء طلال والأميرة دينا مرعد، حيث تضمان مئات الآلاف من المعجبين بمضمون الرسائل التوعوية التي يتم التركيز عليها لمكافحة السرطان.
وتنشط الأميرتان عبر الصفحتين في نشر معلومات تثقيفية عن السرطان ونشر صور وفيديوهات وتجارب للمرضى، فضلا عن أحدث الدراسات التي تخص السرطانات المختلفة.
كما تتطرق الصفحتان لنشاطات مركز الحسين للسرطان والجهود المبذولة في علاج المرضى ومحاولة التوعية بمخاطر التدخين المسؤول عن 40 % من أنواع السرطانات.
وعن رأي الطلبة الجامعيين في التدخين بثت المدونة الشابه نور عز الدين عبر مدونتها “كلمة وحدة” فيديو صور داخل الجامعة الأردنية واليرموك، ونشر على موقع المدونة على “فيسبوك” و”تويتر”.
وتطرق الفيديو لآراء الطلبة حول التدخين في قاعات وحمامات الجامعة، واستياء عدد منهم من هذه الظاهرة التي تعتدي على حق الآخرين في تنفس هواء نظيف.
وتنتشر عبر موقع “يوتيوب” روابط كثيرة تشرح مخاطر التدخين، وتدعو للإقلاع عنه، منها تجارب تعليمية تصلح أن تقدم لطلبة المدارس والجامعات لتحفيزهم على ترك التدخين.

تعليقاتكم