مجتمع الصحة

وللحب أسرار وخبايا.. ودافع للحياة

صحة نيوز – “الحب النقي هو ما يسكن الوحش الذي بداخلك.. أطلق العنان للمحبة وكن روحانيا، كن طيبا، كن عاشقا”.. هكذا يقول جلال الدين الرومي.
وللحب معانيه المخلتفة، وطرق تجعله أمرا محسوسا لا ملموسا، فالعواطف وسيلة البشر للترابط والتفاعل مع بعضهم في أي مكان في العالم، وهي ما تبقينا على قيد الحياة، وتجعلنا قادرين على تلبية احتياجاتنا الأساسية بالتواصل وبلوغ الأهداف ليكون الحب هنا على شكل دافع ومؤثر قوي.
وبعض انواع الحب لا تكون حقيقية، لكن لا تعني انها ليست موجودة، فهي حاجة أساسية لا تنفصل عن الحاجات الأخرى، التي لا نستطيع العيش بدونها، لكن هذا لا يعني أن الحب لا يتغير، ولا يمكن لأحد ان يعيش دون الآخر لأنه يتحول لأمر درامي، والاصل ان كل طرف قادر على العيش دون الأخر في ظروف صعبة يضطر فيها أحدهم للتنازل عن الاخر.
وقد يكون الحب مؤذيا، يدفع بأحد الطرفين لتملك الاخر وايذائه دون قصد، فهنالك من يحب الاحتفاظ بالاخر، ويقيد حركته، حتى أنه يلجأ لامتصاص كل المشاعر منه، وهو ليس هذا النوع من الحب الذي يكون صحيا، لأنه غالبا ما ينتهي نهاية درامية مؤذية.
أما الحب المتوازن يعني القدرة في السيطرة على الحب والشوق، فالحب الحقيقي يشمل ترك الحبيب حرا باختياراته، والقدرة على التلاعب في هذه المنطقة، أي أن الاستراتيجية تشمل أن تجعل الشخص قريبا منك، ولكن باختياره وليس رغما عنه.
كما أن الحب لا يلغي شخصية أحد الطرفين، فالعلاقة تختلف بين كل اثنين، والعلاقة الصحية ليست موجودة عند الجميع، ولكن الوضع يبقى مرهونا بالشخص واختياراته، والحقيقة أنه لا يوجد شخصان متوحدان، ولكن يوجد نقاط مشتركة توحدهما بوجود شخصية كل من الطرفين التي تثري هذه التركيبة وتجعلها أكثر قوة.
ولكل فرد طريقته في الشعور بالحب، فالبعض يشعر وكأن هناك فراشات ترقص في معدته وتقلصات، وآخرون تسارع في نبضات قلوبهم، وللجسد دلالات على مشاعر الحب التي تصيبه أيا كان نوعها ولكن اقواها هو ذلك الذي يشمل شريكا، والتي تبدأ بعلاقة جدية تتحول لارتباط مدى الحياة.
من جهته، يرى الاختصاصي النفسي د.محمد الحباشنة أن للحب تفسيرات مختلفة، وهو حيوي جدا في العلاقات وله قيمة حياتية كبيرة، لكن بعيدا عن الخرافات التي تحاك حوله مثل خرافة التوحد، وخرافة الحب الذي لا يتكرر، فالحب مشاعر تتطور، وقابلة للتغير والنمو، ويمكن ان يكون أيضا، له خصوصية ومساحة، وهما أمران ضروريان للكبر.
وجود الشخص المناسب في الوقت المناسب وفي الزمان المناسب، وهو ما يعرف بالحب “الحقيقي”، وأي خلل في أحد هذه العناصر يحول القصة لمشاعر حب وليس حالة حب. فالحب، بحسب الحباشنة، حالة مؤسسية من التماثل والتكامل والاستمرارية بين الطرفين، وهو ما يفسر انتهاء علاقات كثيرة لأنها وقعت بالفخ.
وينوه الحباشنة أن الحب يمنح القوة للاستمرار بالحياة ودافع للعيش، والسبب يعود في ذلك إلى أن كل شيء وكل المجتمعات والأفراد تتغير باستمرار، حيث ننمو، ونكبر بالسن، وتتغير ملامحنا، ما يعني ان المشاعر قابلة للتغير، وهذا يشمل تغير الاهتمامات، وهكذا هي العلاقة تنمو وتتبدل وتتغير بوجود المشاعر التي تزداد قوة، وهو هذا الحب الحقيقي، وليس الحب ما يثبت عند حالة واحدة، ويرفض التغيير.
ويؤكد الحباشنة أن الحب يحتاج صيانة دائمة نظرا لأن العواطف الايجابية التي نحملها ما هي إلا مزيج من الديناميكية التي تحسن المعيشة والعلاقات الأخرى، وترسم أساسها بمتانة وقوة، والتي تعتمد على مبدأ الاخذ والعطاء، فالحب وحده لا يكفي لبناء العلاقات، لكنه جوهرة مهمة في توليد الثقة والمتانة والصداقة وحتى الشعور بالأمان والأهم بناء علاقة صحية.
وفي بداية أي علاقة فيها مشاعر قوية يكون الاحساس بالحب اشبه بشعور مدمني المخدرات، ولكن بشكل ايجابي، اثر مواد كيميائية يفزرها الدماغ مثل الدوبامين والاوكسيتوسين والادرينالين والفاسوبريسين، وفق اختصاصية علم الزواج والمعالجة الأسرية د. كان فان كيرك.
وتشمل الاعراض في بداية كل ما هو جديد، ارتفاعا في معدل ضربات القلب والشعور بالقلق، وارتفاعا في نسبة افراز هرمون الادرينالين، حيث يتواجد احساس مادي وحنين وتركيز ازاء شخص معين وفق كيرك.
ويمنح الحب الفرد قوى خارقة، خصوصا في عاطفة الأبوة، حيث تصاب الأم أو الأب أحيانا بحالة هستيرية حين يشعر صغيرهم بألم أو وقوعه بخطر ولم يكن بقربهم، وكأنهم قادرون على استشعار ما يمر به.
كما ان الحب يمنح السعادة عبر افراز هرمون الدوبامين في الدماغ الذي يحفز الاستجابة للامور الايجابية والشعور بالسرور لتواجد الاشخاص المفضلين حولك الى جانب الشعور بالحيوية.
ووفقا لدراسة نشرت في العام 2011 في مجلة علم النفس الثوري تبين أن صورة الرجل والمرأة تتغير حين يخاطب من يشعر نحوه بانجذاب، فالرجل يتغير صوته، والمرأة تصبح أكثر رقة ونعومة، إلى جانب تغيرت هرمونية تشمل تزايدا في افراز هرمون الكورتيزول عند الشعور بالتوتر.
ولكن يمكن للحب ان يتسبب بكسر قلبك حرفيا، وهي حقيقة علمية اثبتتها جمعية القلب الأميركية، وهو اجهاد ناجم عن اعتلال عضلة القلب، حين ترتفع نسبة هرمونات الاجهاد، أو المرور بحدث عاطفي متعب، وهي متلازمة القلب المكسور، التي تحدث ضررا دائما بالقلب واثرها عميق.
وعلى قدر التغير المحيط بالقيم المحيطة بنا، تحولت العواطف لماديات وحتى أمور يتم المساومة عليها، ولكن لا يمكن العيش دون تلك المشاعر النبيلة، خصوصا في أجواء العمل والمحيط والعلاقات الرسمية، حيث انه يسهم في توجيه السلوك الخاص للفرد ومصدر للانتاج الايجابي، ويعزز التعاون ويزرع روح الفرج والسعادة ويطلق العنان للإبداع، والتي تتخد أشكالا مختلفة أبرزها:
-الحب لغرض ما، وفي هذا النوع من الحب، يريد الفرد أن يكون جزءا من شيء أكبر منه، والغاية من منح الحب يعطي لحياتهم معنى ويبعث الأمل والعاطفة والرغبة في منحها للعالم ليشعر كما يشعرون، وفي وقت تؤطر فيه بعض العلاقات وتحدد نفسها وتتزايد الضغوط الحياتية فإن مثل هذا النوع يجعل الفرد أكثر صحة أكثر إنتاجية.
-حب الإنجاز، فما من شيء أكثر إرضاء للنفس من العمل بجد واستكمال مشروع يهمك جدا، وبالرغم من توفر مكافآت مادية وسلطة لكن حب الإنجاز حب منتج وحيوي، يحفز الفرد على تقديم تضحيات ملازمة وحلول، خصوصا في المجال العملي، وهذا الشعور يكون صاحبه منتجا وايجابيا.
-حب الزملاء وحب الذات، حب الزملاء يحمل مشاعر اجتماعية معقدة ولكنها ايجابية، مثل مشاعر التعاطف والكرم والعفو، لكن الكثيرين يتجنبونها خشية الوقوع في مشاعر تفسر بطريقة خاطئة. ولكن مثل هذه المشاعر مهمة للابقاء على روح الفريق الواحد والانتاجية والقدرة على التفاهم والنمو والعطاء المثمر.
وفي المقابل يأتي حب الذات ليكون محفزا للثقة بالنفس وعدم الخوف والنظر لكل ما هو آت بشكل جيد، والعناية والاهتمام بحيث لا يقدم الفرد على فعل أمر ينتهك حبه لذاته وتقديره لها، ويتقبلها كما هي فلا يعامل نفسه بقسوة.
والحب يولد وفقا للحباشنة من المشاعر الايجابية التي تعتمد على تبادلية الاهتمام والعطاء، والحرية والمساحة، والرسالة التي تجعل ممن يحمله ويبادله وينقله قادرا على التحفيز والمسامحة والابداع، ويبني أفرادا مليئين بالتكامل والحيوية.
ويبقى قول الرومي “إن السعي وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته، فما أن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل والخارج”.

تعليقاتكم