مقالات طبية

ادمان الاطفال على مشاهدة التلفاز

صحة نيوز – لا يتَعلَّمُ الأطفالُ من تَجارُبِ الحياةِ الحقيقيَّةِ فقط، بل من خِلال ما تعرِضُه عليهم وسائلُ الإعلامِ (وخصوصاً التِّلفاز) والتي تُحدِّدُ ثقافَتِنا وتُشَكِّلُ مَعاييرنا. إنَّ التَّعرُّضَ المِستَمِرَّ للبرامجِ التِّلفزيونيَّة يُؤثُّر بِشَكلٍ عميقٍ على الكيفيَّةِ التي ينظُرُ بها الأطفالُ لعالمِهم؛ ولهذا على الوالدينِ أنْ يكونوا أكثرَ وعياً واهتماماً في تنميةِ المهاراتِ الإيجابيَّةِ لدى أطفالِهم وفي التَّحقُّقِ من مُختَلفِ الرَّسائلِ والقِيمِ التي يَرغَبونَ في نقلِها لطِفلهم. مع العِلمِ أنَّ الأكاديميَّة الأمريكيَّة لِطِبِّ الأطفالِ قَد حَذَّرتْ في وقتٍ مُبَكِّر من عام 1984 أنَّ مُشاهدَةَ الأطفالِ المُبالَغِ بها للتِّلفاِز تُحَفِّزُ العُنفَ، والسُّمنةَ، والمشكلات الجِنسيَّة. ومن خِلال المُشاهدةِ المُستمِرَّة للتَّلفاز وغيرِ المصحوبةِ بالتَّوجيه من قِبَل الوالدين، يصبحُ الأطفالُ أكثرَ قابليَّةٍ للتَّمركزِ حَول الذَّات، السَّلبيَّة في التَّفكير، عدمِ القناعة، التَّسرُّعِ والاندفاعيَّة، العُنف والعُدوانيَّة، والخوفِ والنُّفور.
وأشارت الكثيرَ من الدِّراساتِ الحديثةِ في مَيدانِ الأطفالِ ذوي الحاجاتِ الخاصَّة (من عام 2000 إلى عام 2015) إلى أنَّ مُشاهدةِ التلَّفاز تزيدُ من حِدَّةِ المشكلاتِ المُصاحِبَة للتَّوحُّد، صعوبات التَّعلم المُحددَّةِ، اضطراب نقصِ الانتباهِ والنَّشاطِ الزَّائدِ، الاضطراباتِ السُّلوكيَّة، المُشكلاتِ الصحيَّة، ومشكلات التَّحصيلِ الأكاديميّ. فمثلاً تابعَتْ باجاني وزملائها (Pagani and her colleagues) من جامعة مونتريال، كندا (University of Montreal) أكثَر من 1300 طفلٍ لتَحديدِ أثرِ المُشاهدَةِ التلفزيونيَّةِ عليهم لأكثرِ من سبعِ سنوات. حيث أشارت نتائجُ الدِّراسةِ إلى أنَّ كلّ ساعةٍ إضافيَّة أسبوعيَّة يقضيها الطِّفلُ في مُشاهدَةِ التِّلفازِ في عُمرِ الثَّانيَة والنِّصف يرافقها 7% انخفاضٍ في المُشاركة الصَّفيَّة، و 6% انخفاضٍ في تحصيلِ الرِّياضيَّاتِ العام، وزيادةٍ بنسبةِ 10% لَتعرُّضِهم لمُعاملةٍ قاسيةٍ مِن قِبلِ أقرانِهم. وبلغةٍ أخرى، تُشيرُ هذه النَّتائج إلى أنَّ الأطفالَ الذين يشاهِدون التِّلفازَ أكثرَ من اللازم يصحبون في المستقبلِ سلبيينَ وينخفضُ تحصيلُهم الأكاديمي العام. وتُشيرُ الدِّراسةُ أيضاً إلى أنَّ كلَّ ساعةٍ إضافيَّةٍ أسبوعيَّةٍ يقضيها الطِّفلُ في مُشاهدة التِّلفازِ تؤدِّي إلى انخفاضٍ بنسبةِ 9٪ في النَّشاطِ البَدني العام، وزيادةٍ قدرها 9% في استهلاكِ المشروبات الغازيَّة, وزيادةٍ قدرها 10% في تناولِ الوجباتِ الخفيفةِ غيِر الصحيَّة.
وبعضُ الرَّسائلِ والآثارِ السَّلبيَّةِ التي تنتقلُ إلى الأطفال عن طريقِ البرامجِ التلفزيونيَّةِ والإعلاناتِ التِّجاريَّةِ تندرجُ تحتَ الأبعادِ التَّالية:
1- الشَّخصيَّةِ (مثال: الأنانيَّةِ وعدمِ الرَّغبةِ في التَّعاون، الحساسيَّةِ المُفرِطةِ بدلاً من التَّعاطفِ معَ الآخرين، ازدراء الراشدينَ بدلاً من احترامِهم، توقُّعِ الإشباعِ الفوريِّ للحاجاتِ بَدلاً من التَّحلي بالصَّبر، إعطاءِ قيمةً أكبرَ للأشياءِ بدلاً من العلاقات الإنسانيَّة).
2- العُنفِ والخوفِ (مثال: العُدوانيَّة بدلاً من استخدامِ ضَبطِ النَّفس، استخدام العنفِ بدلاً من التَّفاوضِ لِحَلِّ المشكلات، الشُّعورِ بالخوفِ والقلقِ بدلاً من الطُّمأنينَةَ والأمن).
3- اللُّغةِ والتَّواصلِ (مثال: تجنُّبِ الحديثِ وإعطاء إجاباتٍ قصيرةٍ، تجنُّبِ التَّواصلِ البَصري، التَّكرار غير الوظيفيّ للكلماتِ والعِبارات المُستخدَمة في البرامج التّلفزيونيَّة).
4- – الصِّحَّةِ (مثال: تشجيعِ أكلِ الوَجباتِ السَّريعةِ بدلاً من الغِذاءِ الصَّحي، السَّلبيَّةِ وقلة الحركةِ بدلاً من الإيجابيَّةِ وممارسةِ الرِّياضة).
كيفَ يُمكنُنا مُواجهةُ الرَّسائلِ والآثارِ الضارَّةِ للتِّلفاز؟
على الرَّغمِ مِن أنَّ مُعظمَ الآباءِ مفتونونَ بالتِّلفازِ أيضا لأنَّه يعطيهم استراحةً ويبقى الأطفال هادئيين، فإنَّه يَجبُ عليهم التَّنبُّه إلى أهميَّةِ تغيير اتجاهاتِهم نحو التِّلفاز حتَّى يصبحوا قدوةً لأبنائهم. وبناءً عليه إليكَ بعض الخياراتِ الذَّكيَّةِ للتَّعامُلِ مع التَّلفاز:
1- علِّم أطفالك أنْ يكونوا مشاهدين ناقدين للبرامجِ التّلفزيونيَّة. علِّمهم التَّمييزَ بينَ الحقيقةِ والخيال، وبين المُحتوى الذي يستحقُّ المُشاهدةَ والمُحتوى عديمُ القِيمة.
2- حَدِّد كعائلة البَرامجَ التّلفزيونيَّةِ المسموحِ مُشاهدتِها وأطفئ التّلفاز عندَ نهايتها (مثال: مشاهدةُ الطِّفل للمصارعة الحُرَّةِ قد لا تكونُ مسموحة حتى لا يتَطوَّر لديه السُّلوك العدوانيّ).
3- تأكَّد من أنْ ينهيَ طفلُك الواجباتِ المدرسيَّةِ والأعمالِ المنزليَّةِ قَبلَ السَّماحِ له بمشاهدة التّلفاز.
4- حَدِّد مُهلةً زمنيَّة يوميَّة لمشاهدةِ التّلفاز والتزم بها. حيث توصي الأكاديميَّة الأمريكيَّة لطبِّ الأطفالِ بعدمِ مُشاهدةِ التّلفاز على الإطلاقِ للأطفال الذين تَقِلُّ أعمارُهم عن سنتين، ومُشاهدةِ ساعةٍ إلى ساعتين يومياً من البرامج النَّوعيَّة لمَن هم فوق سِنِّ الثَّانية.
5- استبدل بعضَ وقتِ الُمشاهدةِ التّلفزيونيَّةِ بألعابٍ مُمتعةٍ أخرى يحبُّها طفلُك أو بمشاركتِه اللعبَ في رياضَتِه المُفضَّلة.
6- اقضِ بعضَ الوقتِ في الحَديثِ مع طفلك أثناءَ الوجباتِ العائليَّةِ مع مُراعاةِ عدمِ تشغيلِ التّلفاز في هذا الوقت.
وفي النِّهايةِ فإنَّ المُشاهدة غير المِحدَّدةِ للتلفاز عند الجيل الصَّغير لها أضرارٌ عديدةٌ سبقَ ذكرُها ويجبُ مُعاملة هذه الظَّاهرةِ بأكثرِ جِدَّيةٍ وإحداث التَّغيير في بيت كلِّ واحدٍ مِنَّا، ولكن تذكر، لكي تحقق تغييراً ما، عليك البدء بتغيير نفسك. لا تطلب من طفلك أن يُقلل من مشاهدةِ التلفاز وأنت مُدمنٌ على مُشاهدته!

تعليقاتكم