أخبار الصحة

اليوم العالمي لــ “التوحد”: الادماج والتنوع العصبي

صحة نيوز – أيام وليال تعيشها الأم في حيرة وعجز وخوف من”اللغز” الذي يعاني منه ابنها الصغير، الذي لا يقوى على التعبير عما يعانيه من آلام.
وطيلة السنوات الأولى من عمره لا تجد الأم تفسيرا لذلك اللغز الذي يجعل من طفلها مختلفا عن اقرانه، فهو في حالة صراخ دائم، يتحول بعد فترة إلى تأتأت، ومن ثم إلى تأخر في النطق، ولامبالاة، وعدم تركيز، وعدم إدراك الخطر، وعدم المشاركة مع الآخرين إلا بمساعدة، وصعوبة في التواصل مع الناس وخصوصاً في النظر واستخدام الإشارات، وعدم التركيز البصري، وتجاهل وجود الآخرين وعدم مشاركتهم باهتماماتهم، وضعف في التعبير عن الانفعالات، وعدم القدرة على التفاعل مع الأطفال، كما لايستطيع تلبية حاجاته بمفرده، وقد يؤدي ذلك إلى إنزواء، الأم تلاحظ تلك التطورات ببطء، إلى أن تصل إلى الجواب متأخرة..إنه التوحد!!
وغالبا ما يتأخر اكتشاف اضطراب التوحد إلى ما بعد سن الثالثة. وتشير معظم الدراسات أن ما لا يقل عن 60 % من الأشخاص يكتشفون أن أطفالهم مصابون بالتوحد بعد عمر الخامسة.
وبعد اكتشاف المرض، ثمة أزمة مزدوجة، تعيشها العائلة التي يعاني أحد ابنائها من التوحد؛ فهناك أم لا تقوى على استيعاب الصدمة حيث لا تعرف كيف تتصرف حياله، حتى تصادف أماً أخرى تعاني من المشكلة نفسها، وهنالك طفل يواجه صعوبة التأقلم والعلاج عبر التدريب والتأهيل وبالتالي يحتاج إلى مراكز متخصصة ومتخصصين لا يتوفر منهم إلا النزر اليسير، وإن توفر، فالقدرات المالية المتواضعة للأسر، في حالات كثيرة تحول دون السير بترتيبات معالجة ابنهم.
وجاءت جمعية رعاية وتأهيل مبدعي التوحد لتساعد الأطفال المصابين باضطراب التوحد، وتوفر العلاج الوظيفي والنطقي لهم الى جانب توفير المعرفة والدراية الكافية للامهات لتأهيلهن عبر استقطاب أفضل الخبراء من الداخل والخارج لمساعدة أطفال التوحد.
وتأسست جمعية رعاية وتأهيل مبدعي التوحد في شهر نيسان (أبريل) 2015، بهدف مساعدة فئة من المصابين باضطراب التوحد، وخصوصا فئة الموهوبين، والتي تشكل حسب الدراسات ما يقارب من 10 % عالميا.
وتعنى الجمعية بمسألة الإدماج، حيث تنفق على تعليم حالات تتعامل معها الجمعية في مدارس نظامية، مع توفير رعاية خاصة لهم أثناء اليوم الدراسي.
وقامت الجمعية خلال اذار (مارس) الماضي باستقطاب الخبيرة الالمانية كريستين فينستي بالتعاون مع جمعية مؤسسة البركة الخيرية وغرفة صناعة عمان وبرنامج الخبراء الالمان في مكتبه بالغرفة حيث عقدت سلسلة من الدورات ابتدأت في مدرسة المنهل في قسم التعليم المساند وللأهالي حول أفضل الأساليب الحديثة في مجال الدمج الاجتماعي لأطفال التوحد.
والهدف الرئيسي من استقطاب اولئك الخبراء هو توطين المعرفة في التعامل مع أطفال التوحد وهي نشاطات دأبت الجمعية بالعمل عليه مع شركائها بالتزامن مع الاحتفال بيوم التوحد العالمي.
واستفاد من تلك الدورات ما يزيد على 35 سيدة بين أم لأطفال التوحد ومدرسات متخصصات في مجال التربية الخاصة.
وبحسب الأمم المتحدة التي خصصت الثاني من نيسان (ابريل) من كل عام كيوم للتوحد العالمي فإنها حددت موضوع عام 2016: التوحد وخطة العام 2030: الإدماج وتنوع النظام العصبي حيث ذكرت عبر موقعها على الإنترنت “يشكل التوحد وغيره من أشكال الإعاقة جزءا من التجربة الإنسانية التي تساهم في التنوع البشري.”
وأكدت الأمم المتحدة على الحاجة إلى تعميم مراعاة مسائل الإعاقة في خطة التنمية للمنظمة. ويتطلب تعميم مراعاة مسائل الإعاقة اتباع نهج متكامل في تصميم السياسات والبرامج وتنفيذها ورصدها وتقييمها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى لا يدوم انعدام المساواة.
وفي أيلول(سبتمبر) 2015، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة طموحة جديدة للتنمية المستدامة لعام 2030، تشمل 17 هدفا من أهداف التنمية المستدامة
و169 غاية تتضمن تعهدا بعدم التخلي عن أحد.
وتعمل الجمعية أيضا على إعداد أجيال من المدربين المختصين، حيث تتواصل مع الجامعات لاستقطاب متدربين من طلبة التربية الخاصة وتأهيلهم كمختصين في التوحد مع تطبيق عملي على الحالات التي تستفيد من خدمات الجمعية، وتحت إشراف خبراء.
وبالتزامن مع اليوم العالمي للتوحد تعقد جمعية مبدعي التوحد دورة لمدة شهر في برنامج السلوك التطبيقي ABA، وهو الأشهر عالميا في تعديل السلوك، من البروفيسورة الالمانية أوتو هينغل. وقالت البروفيسورة في حديث لها أن اضطراب التوحد لم يثبت بأنه بالوراثة، داعية أمهات أطفال التوحد إلى عمل مجموعات والمشاركة بها للحديث عن تجاربهن ولو شهريا لتبادل الخبرات فيما بينهن والتكلم عن الإيجابيات والسلبيات التي تواجههن.
وذكرت البروفيسورة هينغل أن أطفال التوحد بات يمكن تشخيصهم من خلال بعض الامور منذ عمر 6 أشهر والتي تظهر عبر سلوكيات تختلف عن اقرانهم ، مشيرة بأنه لا يوجد لغاية الآن سبب معين لحدوث اضطراب التوحد حيث تعددت الفرضيات لكن لم يتم إثباتها .
وترنو الجمعية إلى التكفل بدراسة أطفال من مبدعي التوحد ومساعدتهم في الاندماج في المدارس من خلال تأمينهم بمعلمة مرافقة والتعليم المساند وتقوية جوانب الضعف لديهم وصولا الى تحقيق أفضل المستويات مع اكتشاف جوانب الابداع لديهم وتنميتها.
وتشيد البروفيسورة هينغل بتجربة جمعية رعاية وتأهيل مبدعي التوحد وأهمية الدور الذي تقوم به من خلال تأهيل الامهات واهميتها في مساعدة اطفالهن حيث تؤكد بأن الامهات والمتخصصات في الدورة على درجة كبيرة من الاهتمام والحرص على الاستفادة.
تذكر أم أمير سعيد عن تجربتها مع طفلها المصاب باضطراب طيف التوحد :” في شهره الاول، كان أمير كثير الصراخ، قليل النوم، واستمر على هذه الحالة إلى عمر السنة ثم بعد ذلك لم يكن يستجيب إلى الأصوات من حوله، وكان دائما يجلس أمام التلفاز..اعتقدنا انه يوجد مشكلة في السمع، فأجرينا له بعض التحاليل، ولم نجد عنده أية مشكلة”.
وتضيف:”في عمر السنتين أصبح أمير يقوم بحركات لم نفهمها، ثم اكتشفنا عندهابأنه مصاب بطيف التوحد!!”.
وتصف أم امير ابنها:” كان يذهب لزوايا البيت ويعمل حركات مع صراخ شديد، ولم يتفوه بأي كلمة، أودعناه في مدرسة تعلمه حصتين في الأسبوع، لكنه لم يستفد منها بأي شيء، وبالصدفة أخبرنا صديق للعائلة عن جمعية للتوحد تقوم بمساعدة الأطفال واهاليهم؛ حيث تقوم بتعليم أطفال التوحد بعض الأساسيات..وضعنا أمير في الجمعية وبدأنا نلاحظ تحسنه بشكل ملموس.”

تعليقاتكم