اسرة و صحة

‘‘فاشل‘‘.. بحياتك ما بتصير..!‘‘.. مصطلحات ‘‘تدمر‘‘ الطفل نفسيا

صحة نيوز – “أنت فاشل.. عمرك ما بتصير.. الغباء مسيطر عليك.. مضحك.. روح تعلم من غيرك.. أبله”.. تلك بعض المصطلحات التي يسمعها الطفل من محيطه، سواء من الأهل، وأحيانا في محيط المدرسة. هم يعتقدون أن تلك الكلمات أو العبارات تأتي من باب الخوف أو اعتقادهم بأنها من باب التحفيز لهم ليكونوا أفضل من غيرهم!.
ووفق دراسات، إن كل تلك المصطلحات لا تترك سوى الأثر السلبي الكبير على الطفل الذي يرافقه العمر برمته، وتؤثر عليه في كل مراحل حياته ويكل ما يسعى لتحقيقه. وكما يؤكد اختصاصيون، هذه الكلمات تنطبع في ذهن الطفل وتترجم على شكل سلوكيات وأفعال وأطباع تحد من قدراته وإنجازاته وتؤثر عليه مدى الحياة.
9 من أصل 10 أطفال في الأردن للتوبيخ اللفظي
مديرة برامج حماية الطفل في اليونيسف، مها حمصي، تبين أن اليونيسف والمجلس الوطني لشؤون الأسرة أطلقا حملة تحت عنوان “لا للعنف”/”علم لا تعلم” منذ بداية شهر تموز (يوليو) حتى نهاية شهر أيلول (سبتمبر) لزيادة الوعي عند فئة الشباب والمجتمع الأردني كاملاً حول العنف بأشكاله كافة اللفظي والجسدي، وعن الأساليب الناجحة التي يمكن اتباعها.
ومن خلال الحملة، تبين الحمصي أنهم يسعون للوصول الى حشد مجتمعي كبير ينبذ العنف، لافتة إلى أنه تم إطلاق خطة عمل لتعديل الممارسات عند الأشخاص مثل الأهل والأساتذة، والعمل مع المشرعين كذلك لتعديل تشريعات تبرر أي نوع من العنف، بالإضافة الى وجود برنامج التوعية الوالدية، فقد تم الوصول الى 15 % من الأسر الأردنية يتم تزويدها بمعلومات حول التربية السليمة وبدائل العقاب وكيف يشكل الأب والأم أسرة سليمة، وهو برنامج مستمر لا ينقطع.
وتشير حمصي إلى أنه بحسب الدراسات التابعة لدائرة الإحصاءات العامة، فإن الأطفال يتعرضون للعنف بشكل كبير في بيوتهم، 7 أطفال من بين كل 10 في الفئة العمرية ما بين سنتين و14 سنة يتعرضون لأحد أنواع العقاب البدني في المنزل من والديهم أو أحد أفراد أسرتهم! كما يتعرض 9 من أصل 10 أطفال في الأردن للتوبيخ اللفظي في المنزل مثل الشتم والصراخ.
وتضيف أن الدراسات تشير الى أن العنف اللفظي يحد من ثقة الشخص بنفسه ومن طموحه ويصبح أكثر عرضة للإساءة من غيره، كما يحد من قدرته على الاكتشاف، بالتالي يبقى تحت ضغط نفسي بسبب نعته بكلمة أو مصطلح مثل “غبي” مما يبعده عن المجهود الإدراكي ويحد من قدراته العقلية والذكائية، مما يترك بصمات طويلة الأمد على الطفل من الناحيتين النفسية والعقلية، بالإضافة الى أن الشخص المعنف يمارس العنف على أبنائه فيما بعد.
الإساءة اللفظية أحد أشكال العنف النفسي
وفي ذلك، يذهب الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي والخبير في مواجهة العنف الى أن تصنيف أنواع العنف ضد الأطفال، يندرج تحت أربعة أنواع رئيسية، وهي العنف الجسدي والعنف النفسي والعنف الجنسي والإهمال، وأن هذه الأنواع الأربعة من الممكن أن تحدث في ظروف بيئية مختلفة وهي المنزل، المدرسة، مؤسسات الرعاية الاجتماعية، أماكن عمل الأطفال، وفي المجتمع المحلي.
ويعتبر أن الإساءة اللفظية هي أحد أشكال العنف النفسي وحدوثها عادة قد يرافق تعرض الطفل للعنف الجسدي والعنف الجنسي والإهمال، وحدوثها غير مقصور على المنزل، فقد تحدث في جميع البيئات التي يتواجد بها الطفل، وخصوصاً في المدرسة أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو في أماكن عمل الأطفال.
ويشير الى أن الإساءة اللفظية تأخذ الأشكال التالية، منها الرفض والنبذ عن طريق النقد المستمر للطفل من مثل مناداته بأنه قبيح، والصراخ والشتم، والتقليل والتصغير من قدرات الطفل ونعته بألفاظ من مثل الغبي والأبله، ويشمل أيضا إطلاق النكات على الطفل والتحقير من شأنه، وكذلك السخرية حول مظهر جسم الطفل أو زيادة أو نقصان وزنه، وتشمل أيضا إظهار الأسف والندم للطفل على ولادته بجنس معين.
ويرافق الإساءة اللفظية عادة عدم إظهار بوادر الحب ونبذ الطفل عن النشاطات المناسبة والضرورية لمرحلة نموه، وعزله عن أصدقائه أو حبسه في غرفة، وإرغامه على الدراسة المفرطة أو إرغامه على القيام بالأعمال المنزلية ومنعه من اللعب بألعاب يفضلها.
اضطرابات في نمو الطفل الجسدي والعاطفي والفكري
ويعتبر جهشان أن الإساءة اللفظية قد تأخذ مظاهر شديدة القسوة كالصراخ المستمر على الطفل والردود المتقلبة وغير المتوقعة استجابة لسلوك الطفل، والتهديدات الشفهية المتكررة والمستمرة، وتهديد الطفل بتركه في مكان منعزل أو التخلي عنه أو التخلص منه ووضعه في مؤسسات رعاية اجتماعية، أو رميه للشارع، كذلك التهديد بتكسير وتحطيم الألعاب المفضلة لديه أو التهديد بضرب أفراد الأسرة الآخرين أو الحيوانات الأليفة التي قد تكون بالمنزل والمحببة لديه، أو التهديد بكشف عيوب الطفل أمام أصدقائه أو الأقارب.
ويرى أن عواقب الإساءة اللفظية تعتمد مباشرة على ما يرافقها من أشكال العنف الأخرى؛ كالعنف الجسدي أو الجنسي أو الإهمال، وأيضا على علاقة المسيء بالطفل، فتكون أشد إذا كان هناك علاقة مباشرة مع المسيء كالأم أو الأب، وأيضا تعتمد على تكرار الإساءة اللفظية وشدتها واستمرار فترة حدوثها.
ومن عواقبها أيضا، اضطرابات في نمو الطفل الجسدي والعاطفي والفكري، مص الإصبع أو الإبهام، الانطواء والانسحاب الاجتماعي، الاكتئاب، القلق، الخوف، اللعثمة في الكلام، اضطرابات في النوم، اضطرابات الطعام، الانطواء وعدم القدرة على التفاعل الاجتماعي مع الأقران وصعوبة في تكوين صداقات، انخفاض تقدير الذات، الانقياد السلبي نحو الآخرين، إضرابات المزاج والخوف الشديد والهلع والسلوك المضطرب، السلوك الانسحابي والاستثارة الزائدة، صعوبة التركيز وصعوبات النوم، قد يعان يمن أعراض انفعالية تتضمن الغضب والإنكار والكبت والخوف، الشك والشعور بالعجز، الشعور بالبلادة.
ويشير جهشان الى أن هذه العواقب ليس بالضرورة أن تظهر جميعها وقد تتفاوت في فترة ظهورها وشدتها اعتمادا على التفاوت في شخصية الطفل وآليات الدفاع الذاتي والمرونة لديه، بالإضافة للعوامل التي ذكرت أعلاه وهي (علاقة المسيء بالطفل وشدة الإساءة وتكرارها وفترة حدوثها).
ويعتبر أن الأساس في الوقاية من العنف والإساءة هو القيام ببرامج تعتمد على توعيه عموم المجتمع قبل حدوث العنف، وهي ما تسمى “الوقاية الشمولية” كالتي يقوم بها صندوق اليونسف حاليا، وهذه البرامج عادة ما يتم تصميمها وتنفيذها ورصدها وتقييمها بوسائل وآليات علمية أكاديمية لها معايير تقيس نجاح مخرجاتها، وقد تم خلال السنوات الماضية بضعة برامج مشابهة.
العنف اللفظي.. تراجع بتكيف الطفل اجتماعيا
في حين يرى استشاري الطب النفسي، الدكتور وليد سرحان، أن الألفاظ المسيئة تعد من أشكال الإساءة للطفل وتؤثر عليه وعلى تطوره النفسي السلوكي والعاطفي وعلى تكيفه الاجتماعي، ويكون هذا التأثير فوريا على الطفل، وآثاره بعيدة المدى على تطور الشخصية والتوازن النفسي في المستقبل.
ويتفاوت التأثير حسب شدة وتكرار هذه الإساءة والأشخاص الذين يقومون بها، فأحيانا تكون في البيت وأحيانا في المدرسة وفي أحوال أخرى في كل مكان خصوصا اذا كان الطفل قصيرا أو سمينا، فكل من حوله يعلق ويخترع لقبا على هواه، وأما الفشل والمعايره بالدراسة وعدم التفوق أحيانا والفشل في أحيان أخرى ومقارنة الطفل مع أقرانه وإخوانه وأقاربه وتكرار النقد حتى لو كان بصيغة النصيحة، فإنه يضعف من النظرة للذات ويؤدي لفتور العزيمة للجد والاجتهاد، وأحيانا تصبح سببا لمزيد من إهمال الدراسة، أو أي موضوع ينتقد عليه مثل قضاء بعض حاجات البيت والمهام التي توكل للأبناء والبنات. ومن المـألوف أن تسمع المراهقين يقولون (مش دارس لاني ما رح أجيب زي ما بدهم أهلي)، ولمثل هذه الأساليب آثار سيئة ليس على المستوى الدراسي فقط بل على الإنسان في حاضره ومستقبله.
الانتقادات الجارحة بمثابة طلقات رصاص وكلمات قاتلة
ويذهب الاختصاصي التربوي، الدكتور موسى مطارنة، الى أن الخطاب مع الطفل لا بد أن يكون مدروسا وتربويا، فكل كلمة تنطبع وترسم صورة في العقل الباطن للطفل وتظهر عليه كسلوك وقيمة وإحساس في المستقبل، مبيناً أنه اذا تم إدراك مدى أهمية ما يقال للأطفال سندرك الأثر والبصمة الذي يتركها هذا الكلام عليهم.
ويشير مطارنة الى أن هذه الانتقادات تعد بمثابة طلقات رصاص وكلمات قاتلة تسقط على الطفل، ولا تحفزه على الإطلاق، بل على العكس سوف يؤمن تماماً بأنه شخص فاشل وأقل من غيره وبأنه لن ينجح مهما فعل، وإما أن يصبح شخصا عدائيا أو منظويا على نفسه ومحبطا.
ويرى مطارنة أنه يجب التعامل مع الطفل وفق قدراته النمائية والعمرية بدون إسقاط تجارب الأهل عليهم، فهم في زمن مختلف تماماً عن زمن الأهل، مبيناً أن الضغط على الأبناء من أجل التحصيل الدراسي يعد من أسوأ الأمور التي يقوم بها الأهل.
كما أن الأطفال بحاجة الى صبر وتقرب منهم والتحاور معهم ومراعاة قدراتهم النمائية والعمرية كاملة وعدم التعامل معهم بعشوائية، فلكل مرحلة قدراتها ومتطلباتها، حتى لا نكسب أبناءنا اضطرابات نفسية.
*مجد جابر

تعليقاتكم